الاحقاف نيوز / خاص
كتب / عدنان باوزير
التاريخ هو فعل مستمر وقد يأتي بنسخ متشابهة لكنه أبداً لا يتكرر حرفياً ، فكل فعل يحمل بصمة خاصة تحمل سمات وأبعاد مكانها وزمانها وظروف حدوثها .
وهو سجل وأرشيف حياتنا اليومية الديناميكية هي الأخرى والمتحركة والمتغيّرة بطبيعتها والتي لا جمود فيها ، على مستوى الأفراد والجماعات والشعوب والدول ، فخطها البياني دوماً في انحدار ثم يتبعه صعود ، انحطاط ثم نهوض ، فلا استقرار في القمة ولا دوام في الحضيض ، إمبراطوريات تبلغ أقصى قوتها وجبروتها ثم ما تلبث أن تشيخ وتترهل وتضعف حتى تتلاشى فاسحة المجال لأمم أخرى فتيّة وصاعدة وهكذا تتعاقب دورة التاريخ.
في عجالة : لقد تعرضت أمتنا العربية والإسلامية لخمس انتكاسات ساحقة تم تجاوز بعضها والتحرر من تبعاتها المدمرة ، لكن الحال لم يعد تماماً لما كان قبله لأن الفعل التحريري لم يكن يوازي في فعله ووعيه حجم تلك النكبات ويمكن ايجازها على النحو التالي :
1- سقوط بيت المقدس بيد الصليبيين يوم 15 تموز / يوليو عام 1099 م .
2- سقوط بغداد على يد المغول في 29 كانون الثاني (يناير) 1258م .
3- سقوط غرناطة آخر إمارات المسلمين بالأندلس يوم 2 يناير/كانون الثاني 1492.
4- اتفاقية سايكس بيكو 1916م والتي مزقت الوطن العربي الى كيانات منفصلة تم توزيعها كمستعمرات بين قوى الاستعمار الغربي التقليدي .
5- وصولاً الى مطلع قرننا الحالي (القرن 21) أدنى حالات التمزق والفرقة والضعف وما يصاحبها من خضوع كامل وتسليم مطلق ل (سوبر باور) العصر الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها الغربيين والتطبيع بل والتحالف مع رأس حربتهم بالمنطقة الكيان الصهيوني الغاصب ، وهم أمر لم يحدث بهذه القتامة حتى عقب نكستي (1948) و (1967) .
ولأن الشيء بالشيء يُذكر وبما أن كل الأنظار مشدودة الى غزة وما تتعرض من هجمة همجية غير مسبوقة من كيان العدو الإسرائيلي منذ حوالي أسبوعين ، مدعومة دعماً مفتوحاً وفعلياً ومباشراً من أمريكا وقوى الغرب الاستعماري القديمة نفسها ، في ظل حالة تخاذل وتآمر عربي صادمة .
لهذا سنتناول محطة نهوض فارقة ومعركة فاصلة كانت هذه غزة نفسها بطلتها ، حيث أوقفت سقوط مصر المحتم بأيدي الصليبيين العائدين من جديد ، كما نتج عن هذه الملحمة توحيد الشام من جديد ، وأسفرت بعد بضع سنوات قليلة عن طرد الوجود العسكري الصليبي من منطقتنا نهائياً وهذا ما لم يحصل من قبل .
سبق معركة غزة الفاصلة هذه والتي جرت في 642هـ/1244م ، حال يشبه الى حد يبدو مطابق وضعنا اليوم ، حيث كانت الإمارات العربية المتصارعة في المنطقة تتحالف مع الأمراء الصليبيين في المدن المحتلة ضد بعضهم البعض ، ويستقوون بالغزاة على أبناء جلدتهم ، وهذا الوضع ليس حصرياً على تلك الحقبة فقط بل حدث ويحدث دائماً قبل كل سقوط ، حدث مع أمراء الطوائف بالأندلس قبل سقوط غرناطة ، وقبل سقوط بيت المقدس بيد الصليبيين وسقوط بغداد بيد التتار وهكذا .
واليوم وفي عز هذه الظلمة الحالكة ها هي غزة من جديد ومعها كل فصائل حركات محور المقاومة في فلسطين ولبنان والشام والعراق واليمن بقيادة قائدة المحور إيران ، لا تحدد مصيرها فحسب ولا حتى مصير فلسطين بل العرب عموماً وكل المنطقة .
فأما انكسار كامل لكيان العدو وزواله وانحسار شامل لعرابته أمريكا ومعها الغرب الاستعماري ، ونهوض وبروز قوى تحررية جديدة ، كما تشير لذلك كل المعطيات بدون أي افراط بالتفاؤل ولكن بناء على المعطيات الموجودة ، وأما لا سمح الله سقوط غزة ومن بعدها جميع حركات وفصائل المقاومة وقائدتها ، وبالتالي تغيّر كل الخرائط الموجودة وتأسيس شرق أوسط جديد مفصل على مقاس أمريكا وحلفائها ، وهذا ليس سر بل هو أمر معلن صرح وما زال يصرح به كبار قادة الصهاينة العسكريين والسياسيين .
وختاماً لا نقول أتنتظروا لتروا بل نقول تحركوا بكل أشكال الحركة المتاحة وساهموا في صناعة الحدث قبل أن تحل الكارثة على الجميع .. على الجميع !!