الأحقاف نيوز / خاص
كتب / عدنان باوزير
(الجابر) ليس (بلفور) و(بقشان) ليس (هرتزل) وأرض النخيل والتمور ليست (تيمور) والحضارم ليسوا شعب الله المختار ليتكرم عليهم أحد بوطن قومي هم أصلاً يعيشون على ترابه ، كما أن الأوطان لا تُبنى بالتمنيات والرغبات بل بالإرادات والتضحيات الجسام ، كما أن (الحرية) لا تُمنح بل تُنتزع انتزاعاً وبابها الأحمر لا يُفتح بعبارة (أفتح يا سمسم) ولا يستجيب الا لطرق الأيادي المضرجة كما يقول شوقي .
حسناً أنا كحضرمي لست ضد أن ينال قومي حقوقهم وأتفهم تماماً بل وأتعاطف وأتضامن مع مظلوميتهم منذ 30 نوفمبر 1967 وحاضر بل وأتشرف بالنضال من أجل هذا ، نعم أنا وحدوي حتى العظم ، ففي الوحدة قوة وعزة وفي التنوع ثراء ، إضافة الى عشقي الوجداني للوحدة ، فنحن جيل تربينا على حلم الوحدة وكبرنا وعشنا لحظة تحقيق الحلم وفرحنا وغنينا لها ، واكتوينا وعانينا من خيباتها وطحنتنا معاناتها وما نزال ، ولكن الوحدة كمبدأ شيء والتطبيق شيئاً آخر تماماً ويجب أن لا نلقي بسواد تبعات الثاني على بهاء ونقاء الأول كما يفعل كثير من السذج والخبثاء .
ولكن إذا ما أطل غراب الشؤم برأسه وكُتب على هذا الوطن العزيز الجميل أن يتشرذم بغلبة الخونة من أبناءه وبقوة وهيمنة الإقليم الطامع والمعتدي ومن خلفه قوى الاستعمار التقليدية خدمة لمصالحها ، وأراد أهل الشأن ذلك بطرق شرعية وغير مسلوبة الإرادة أو مزورة – وهذا لن يكون بالطبع ولكننا هنا نفترض- إذا تم ذلك فلن أستطيع أنا أو غيري تغييره .
ولكن دعونا نلقي نظرة عن كثب على المشهد العام وبكل تجرد : السعودية هي من بادرت بالترويج للفكرة ثم ترجمت ذلك فعلياً وأسفرت تلك الإرهاصات الخبيثة عن خروج كائن مسخ ولد ميتا في المكان والزمان الخطأ ، هي من اختارت شخوصه كيفما كان ثم جلبتهم للرياض وهم لا يدرون لماذا اُحضروا ، ورتبت الجلسات واختارت شخوص الهيئة العليا انتهاء بالفرقعة الإعلامية بعد الإعلان .
ولكن هل تعني السعودية هذا بالفعل ؟؟ هل تريد تحقيق هذا الأمر على الواقع – طبعاً إذا قُدر لها ذلك ولكن عشم إبليس في الجنة – ، الجواب قطعاً لا ، هي وبالأدلة القطعية لا تريد هذا أو على الأقل تريده ولكن ليس بالصورة التي بأذهان عامة الحضارم وحتى نخبهم المسيرة والمسلوبة الإرادة ، لا تكتيكياً ولا سياسياً ، بدليل أن المجتمعين عندما تملكهم الحماس ولعبت برأسهم نشوة الحلم واتفقوا على هذه الصيغة الأسمية لمجلسهم (المجلس الوطني الحضرمي) تدخلت السعودية وضغطت الى تغيير الاسم الى (مجلس حضرموت الوطني) ، وفي هذا دلالة صريحة على إعطاءه الصبغة الجهوية لا الطبيعة (القومية) أو القطرية ، ليس لأن السعودية حريصة على وحدة اليمن ولكن مراعاة لمقتضيات المرحلة أولاً ، وثانياً لتحقيق الهدف التكتيكي للمكون وهو ضرب الانتقالي وبالأحرى فرملة وتعطيل النفوذ الإماراتي في الجنوب – وهذا أمر بدون أن تقصد يخدم اليمن الموحد وينهي تماماً مشروع عودة انفصال الجنوب فلا جنوب بدون حضرموت – ، وثالثاً لاستحكام عقدة التقسيم في لا وعي المملكة ، ورابعاً حتى لا تصرح بنواياها وتستفز حلفاءها في الشمال فهدفها لم يتحقق بعد – ولن يتحقق – وما زالت تحتاج لخدماتهم ، وخامساً لطبيعة العقلية السعودية ذاتها ، لماذا تقدم هكذا خدمة لوجه الله للحضارم ؟؟ نعم هي تريد حضرموت كجزء تابع لأراضيها ، أو على الأقل فناء جنوبي لها تسرح وتمرح فيه بدون أي تحفظات ، لماذا عساها أن تنشئ للحضارم وطن مستقل خاص بهم – وهم يستحقون – ، ليعود اليه ملايين الحضارم في الشتات من شرق أفريقيا وجنوب شرق آسيا ومن داخل أراضيها وبقية دول الخليج ، وتبدأ الأموال الحضرمية تتسرب من حدودها ، لماذا تحتاج لكل هذا ومن أجل ماذا ؟؟ من أجل النفوذ ؟ النفوذ محقق لها حالياً والسيطرة الكاملة وبشكل مجاني .
ليس عيباً البتة أن تتقاطع المصالح ، ولكن شريطة أن نداً للطرف الآخر فهل هذا الوفد التاب والمسيّر بالكنترول هو نداً للسعودية ليحقق مصالحه المتقاطعة بالطبع مع مصالحها ؟؟ كلنا نعرف أنه مجرد أداة لتحقيق مشاريع ومصالح السعودية وليس مشاريعه ومصالحه الخاصة ، حتى رجال الأعمال الحضارم المسعودين هم يتحركون فقط بما يملي عليهم البلاط السعودي وهذا أمر معروف ولا أحد يلومهم .
الحضارم يعيشون في وطنهم منذ أقدم ذكر لحضرموت في التوراة قبل ثلاثة ألف وخمسمئة سنة وأقدم من ذلك بكثير كما تذكر نقوش المسند وقبل هذه التواريخ بكثير ، هم يحتاجون فقط لبعض الإرادة والوحدة لعناية ببلادهم بأنفسهم ولا يحتاجون أي وصاية من أحد ، ويمتلكون كل المقدرات والأدوات والعقول والخبرات لتحقيق ذلك ، ضمن أي صيغة توافقية مع مكونات اليمن الأخرى أو حتى بدونه ولكن بدون أي املاءات او تبعيات لأحد ، لا تنقصهم غير الجرأة والاستعداد للتضحية في سبيل ذلك ، فلا أحد يُنشئ أو يعمر أو يبني وطن لأحد آخر ، وبدلاً عن تعمير أوطان الغير فليأتوا ويعمروا بلدهم وهي أحوج ما تكون لهم .