الأحقاف نيوز / خاص
كتب / عدنان باوزير
أقاموا الدنيا ولم يقعدوها على ما يسمونه (انقلاب) أنصار العصر – وأنا حتى لا أسميه انقلاب بل مبادرة للإمساك بزمام المبادرة من سلطة منهارة وفاشلة ومجرد محاولة بسيطة ومتأخرة جداً لتصحيح مسار التاريخ – يتشدقون بمناهضة (الانقلاب) وهم أتباع أكبر وأشهر وأخطر وأقدم انقلاب في التاريخ .
*******************************************
الثامن والعشرون من شهر صفر في السنة الحادية عشر للهجرة ، بحسب روايات الشيعة والثاني عشر من ربيع الأول من ذات السنة عند السنة – وأميل شخصياً هنا للرواية الأولى لأن الثاني تبدو وكأنها مرتبة ، نعم ممكنة وواردة ولكنها مثيرة للشكوك ، أن يكون المولد والوفاة في نفس اليوم والتاريخ ، ما علينا فهذه قصة أخرى ولكنها تدل على حجم الاختلاف العميق حتى في قضية يفترض أن تكون محسومة كهذه – ، كان هذا اليوم هو أحلك وأظلم البشرية على هذه الأرض ، كيف لا وقد غادرنا ملتحقاً بالرفيق الأعلى سيد الخلق ، كيف لا وقد غادرنا ضميننا من العذاب ( وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ) ، كيف لا وقد توقف الوحي وأنقطع الاتصال بين الأرض والسماء ، كيف لا وقد توفى الله من اشتق له من صفاته (الرؤوف الرحيم) كيف ؟ وكيف ؟ وكيف ؟
كان الجسد الشريف ما يزال مسجى (اللهم صل على محمد وآل محمد) والإمام الأمير وابن عمه الفضل بن العباس يجهزانه ليوارى الثرى ، في هذا الجو الحزين والكئيب والصادم كانت الأصوات تعلو في سقيفة بني ساعدة ويشتد النزاع والصراخ على تقاسم النفوذ وتولي السلطة .
لمن يكون الحكم للمهاجرين أم للأنصار ، وسعد بن عبادة يمني نفسه بالرئاسة عن الأنصار ؟؟ هل قلت سعد بن عبادة وذكرت الأنصار ؟؟ نعم نعم سعد بن عبادة ومعه بعض قومه من الأنصار يؤازرونه ، ولما لا يفعلون ذلك وهم قد أصبحوا قوم بلا نور ، فقد أطفأ الله نوره ونورهم منذ مدة يوم جاء سعد ومعه رهط من قومه يساءلون الرسول بكل وقاحة : هل هذا الأمر أمرك الله به أم هو من عندك ؟؟ !! وكأنهم لا يعلمون أنه ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ – يتحدثون عن تبرمهم من طريقة توزيع الرسول لغنائم (حنين) لإئتلاف قلوب أبا سفيان ومن على شاكلته .
في إطار هاذين المشهدين المتباينين ، ينتشر المئات من أعراب قبيلة (أسلم) الذين تم استقدامهم لهذا الغرض في شوارع مدينة الرسول ، في أول استخدام للأمن المركزي في التاريخ – ألم أقل لكم أن انقلاب السقيفة كان هو أبو كل الانقلابات اللاحقة ، وليس من عارض ما يحدث يُضرب عنقه وحسب ، بل وكل من قال (مات محمد) يُضرب عنقه فمحمد لم يمت بل غاب كموسى وسيعود ! ولا كأن أصغر وأحدث مسلم فيهم قد قرأ (ِإِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) أو (( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) و … و … ، قيل فيما بعد لتخريج هذه : أنها كانت بفعل الصدمة العاطفية القوية الحاصلة حينها ، ويذهب في هذا جميع البسطاء والخبثاء على حد سوى ، ربما ، وربما كان ذلك بقصد ترتيب أمور الخلافة أولا .
وعاد المجاهدين في جيش (أسامة) الى المدينة لينتشروا من جديد ، رغم التوصيات الشديدة والمتكررة بضرورة انفاذ جيش أسامة ، حتى أن الرسول الأعظم عقد لواءه بيديه الشريفتين ولعن كل من تخلف عنه ، لكن الجيش لم ينفذ وظل مراوحاً بذي الحليفة ينتظر الحدث المنتظر ، في حين أراد الرسول أبعاده عن المدينة حتى لا يشهد هذا الحدث ويحدث ما حدث ولكن الأوامر كلها عُصيت بدعوى (نخشى أن نسأل الركبان عنك يا رسول الله ..الخ ) ، يعني الحدث كان متوقع بل ومنتظر فلماذا اذن حدثت الصدمة المزعومة (من قال محمد قد مات ضربت عنقه) ؟؟ .
قُضي الأمر لقد نصّب المجتمعون في السقيفة الخليفة الأول ، وأكفهم ما زالت رطبة بمبايعة من أراده الرسول وأرادته السماء يوم الغدير القريب ، ولم يكن ذلك الانقلاب انقلاباً سياسياً فحسب بل وشمل شتى نواحي الحياة وأولهم دين الإسلام نفسه ، فتعددت وتباينت طرق العبادات من الأذان والصلاة مروراً بالصوم والزكاة والحج ، وفي كل شيء ، لقد عصت الأمة أمر رسولها فحلت عليها النقمة وبدأت الفتن تطل برؤوسها السوداء من كل حدب وصوب ، بعضاً منها ذكرته كتب التاريخ والسيّر والأكثر سكتت عنه أو قلبت حقيقته ليتماشى مع العهد الجديد ، وأولها خروج كثير من قبائل الجزيرة ورفضها مخرجات السقيفة وسلطة الأمر الواقع فيما أصطلح على تسميته لاحقاً بحروب الردة حيث استحلت باسم الدين ولأول مرة الأموال والدماء وفتحت علينا باباً من الجحيم ما زالنا وسنظل نكتوي بناره حتى يشاء الله لنا ذلك ويغفر لنا .
*******************************************
(وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ )
هل سيفترض جل وتعالى شيئاً لن يحدث ؟؟ طبعاً لا والا كان هذا والعياذ بالله ضرب من ضروب اللغو في القول ، وسبحانه جل وتعالى عن هذا ، فمحمد (اللهم صل على محمد وآل محمد) قد مات وقتل في ذات الوقت وكما أخبرنا الله في محكم تنزيله ، فقد مات الرسول وبأجماع كل الفرق والمذاهب الإسلامية مقتولاً بالسم ، والخلاف هنا فقط هو : هل مات متأثراً بسم تلك المرأة اليهودية قبل مدة طويلة بينما مات على الفور من شاركه الأكل ، كما تذهب أغلب روايات أهل السنة ، ولكن نفس الروايات هذه تخبنا أنه قد علم (الرسول) بأمر السم ولم يأكل ، أم مات متأثراً بسم جديد كما تقول تلميحاً وتصريحاً كثير من روايات الشيعة ؟؟ كيفما كان الأمر الا يستحق أعظم خلق الله تشكيل لجنة تحقيق ولو بأثر رجعي من علماء وفقهاء الأمة لأخبرانا بالرواية الصحيحة ؟؟ نحن قوم نتشدق صبح مساء بحب محمد أليس من حقنا أن نعرف ؟؟ فإذا مات زعيم قوم بطريقة مثيرة للشك وتتضارب فيها الروايات يشكلون لجان مماثلة للتحقيق في حقيقة سبب وفاته ، ألا يستحق هادينا ومخرجنا من الظلمات الى النور وشفيعنا يوم الحساب منا هذا الجهد ؟؟ ليس لشيء ولا أتهام لأحد ولا لبعث وإثارة الفتن فكلنا كأمة إسلامية متفقون على حبه بدون أي شك أو اختلاف ، هذه نقطة جديرة بالاهتمام ولكنها الآن ليس موضوعنا ، إذن أفترض الله الموت والقتل وقد حصل بأجماع الجميع ، كما أفترض في الجزء التالي من نفس الآية الانقلاب على الاعقاب ، فإذا ما حصل هذا حصل تبعاً ملازماً له هذا ، فقد حصل الانقلاب على الاعقاب الذي أعقب الوفاة مباشرة ، والانقلاب على الأعقاب يعني الرجوع للخلف بنفس الخطوات التي كنت قد مشيتها للأمام ، أي العودة مرة أخرى الى الجاهلية وهذا ما حدث بالضبط .
******************************************
ما ذا على من شمّ تربة أحمد ** ألا يشمّ مدى الزّمان غواليا
صبّت عليّ مصائب لو أنّها ** صبّت على الأيّام صرن لياليا
(فاطمة بنت محمد)
أبكي وأحزني يا مولاتنا الزهراء فقد أناخت قوافل الأحزان ببابك ركابها ، وسوف تلحقين يا أم أباك بأبيك بعد أربعين يوماً فقط وفي أطول الروايات بعده بستة أشهر مقتولة أنتِ الأخرى صبرا ، سيشيع جثمانك الشريف الأمير عليه السلام وحيداً وبعض أخص خواصه ولن يعلم قبرك لأمة أبيك أبدا او على الأقل وحتى حين ، وهاذان أبناك وقرتا عين رسول الله وسبطاه وسيدا شباب أهل الجنة ، سيتقيأ الأكبر كبده مسموماً بسم (جعدة) والآخر سيجز رأسه كالكبش ظمآن مظلوم وحيداً بكربلاء ، وأبنتك زينب الى الشام ستسبى ، وأنت يا خاصف النعل سيرهقك المارقون والقاسطون في الجمل وصفين والنهروان ثم سيخضب أشقى الأشقياء لحيتك بدم رأسك ، وستعصف الفتن الهوجاء بأمة أبيك من كل النواحي وهانا نحن اليوم وبعد ألف وأربعمئة سنة وما زلنا في عين العاصفة .
******************************************
أستخلف الأول ولم يستخلف الثاني حتى قيل له : أتترك الأمة بعدك كالغنم في الليلة الشاتية الممطرة ، فشكل لجنة مختارة بعناية فائقة لاختيار خليفة للأمة والتي اختارت عثمان بن عفان ، وكيف يستخلف الرسول وأنتم منعتم عنه القرطاس والدواة وقلتم عنه : إن الرجل ليهجر حسبنا كتاب الله ، لم تحترموا حتى رغبة الأخيرة ، رغبة النبي الأخيرة لم تلبى ، بينما تعد رغبة المحتضر أي محتضر مقدسة ويجب تلبيتها ، حتى انا نرى اليوم كيف تلبى في أغلب دول العالم المتحضرة منها والمتخلفة الرغبات الأخيرة حتى للمجرمين قبل اعدامهم فما بالك برغبة خاتم الأنبياء والمرسلين !! ولم تكن حتى هذه من أجله هو بل من أجل أن نضل بعده أبدا حتى يوم الدين ، لو ناولتموه ما طلب وأطعتم ما أوصى – كتابياً هذه المرة أما شفوياً فقد كررها مرات كثيرة جداً – لو فعلتم ذلك لما كانت هناك حروب ردة ولا جمل ولا صفين ولا نهروان ولا كربلاء ولا استبداد أمية ولا تجبر بني العباس ولا تتار يجتاح الديار وأن يحكمنا المماليك أو الصعاليك ولا خوازيق الغز بني عثمان ولا احتلالات صليبية ولا إسرائيل ولا أمريكا ولا أي غبن أو ظلم ، نعم هكذا كان سيكون عليه الأمر لو أطعتم ما ارادته ولبيتم رغبته ، لقد قال : لن تضلوا بعدها أبدا وأنا كمؤمن لا أناقش مجرد في حتمية حدوث
لو أنفذت وصية النبي فوعده هو وعد الله ووعد الله حق.
********************************************
ما لنا وما لملك فارس وكنوز الروم وأرض السند والهند ، ما لنا بكل هذا ، فقد ضمن الله لنا هذا وسوف يحدث بشكل او بآخر يهيئه الله لنا ، من دون أن نستبيح دماء الخلق وأموالهم وأعراضهم ونسبي نسائهم ونرهبهم بقاعدة : أسلم تسلم أو السيف أو الجزية ، فقد وعدنا الله (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا) ، هذا وعد إلهي حتمي لا يساور أصغر مؤمن فيه ذرة شك ، أما كان أحرى بنا أن نطيع الله وأوامر رسوله وسوف يتحقق لنا هذا وأكثر بكثير مما تحقق وبطريقة أيسر وأسلم وأحوط ، فالله يعلم ونحن لا نعلم ، أما كان الأجدر الذهاب بدل كل هذا الى تعميق الإيمان في النفوس فما لبثت قبائل الجزيرة أن خرجت عن الإسلام كما يزعمون فور سماعهم بخبر وفاة الرسول ، والطاعة والتسليم فقط لأوامر الله التي وصلتنا عن طريق رسوله الأعظم ، وهو سيتكفل بكل شيء وسيلهمنا عمل الصواب بدلاً عن مخالفته واتباعنا لأهوائنا ورغباتنا ليحل علينا غضبه الذي ما زال مسلط على رقابنا الى اليوم ولا فكاك .
وختاماً أليس الأحرى بالأمة دراسة وتصحيح إنقلاب الموت بدلاً عن التشدق بمعاداة مجرد (انقلاب) كيوت ؟؟!!