فخ دولة حضرموت .. الحلقة الأخيرة
الأحقاف نيوز / خاص
كتب / بديع الزمان اليماني
قدم شاعر حضرموت العظيم الحكيم ” بو عامر الحضرمي” نصيحة يجب ان تكتب بماء الذهب
” يقول أبو عامر ضياعَ الشورْ مفتاحْ الندمْ
من ضيّعهْ شورهْ تندمْ لو رسمْ لِهْ ما رسمْ
ولعادْ تنفعهْ الندامة ، والندامة كالعدم”
في هذه الصيحة يوجه حكيم حضرموت النصيحة لأبناء موطنه . بأن من شاور ما خاب. ومن تدبر امره ، نجح في مسعاه. وحضرموت اليوم على مفترق طرق . إما أن يكون لها كيانها المستقل ، أو ان تظل تابعة للأبد. وبدلا من ان تكون مجرد محافظة مستغلة ومهملة في نفس الوقت في اطار الجمهورية اليمنية ، ستصبح عزبة مقسمة في إطار المشروع الحقير الذي يرسمه ويخطط له الأن المجلس (الإنتذالي) ، للأسف بتواطؤ من الجميع .
من المؤلم كما يقول أبو الطيب المتنبي
” وَلَم أَرَ في عُيوبِ الناسِ شَيئاً…
كَنَقصِ القادِرينَ عَلى التَمامِ”
ونجد انه بدلا من ان يتطلع الحضارم لتأسيس كيانهم المستقل المتفرد ، نجدهم يجدون انفسهم للأسف مرغمين على الخوض في مشاريع تقزيمية ، ستجعل من حضرموت مطية لأولئك الفاشلين الذين لم يستطيعوا إدارة كشك سجائر او بوفية ساندوتشات ، ليغزوا حضرموت بدبابتهم واسلحتهم طمعا في خيرات وثروات حضرموت .
المواطن الحضرمي هو اخر اهتمامات المجلس الإنتذالي ، لنرى فقط من هم الذين يمثلون حضرموت الأن في إطار المجلس الإنتذالي ! هل تقزم تاريخ وعنفوان حضرموت الخالد عبر التاريخ ليختزل في تلك الوجوه الغبراء الذين يبيعون ويشترون في حضرموت بتلك الصورة المقززة.
في عهد حكومة مجور ، تعاقدت الحكومة اليمنية مع شركة (ماكينزي) العالمية لوضع دراسة استراتيجية لتحسين وضع الاقتصاد اليمني . وقد خرجت شركة ما كينزي التي تعتبر اكبر شركة استشارات على مستوى العالم ، برؤية استراتيجية أسمتها ” الأولويات العشر ” حددت فيها أولويات الحكومة اليمنية والتي يجب تطبيقها لتحسين وضع الاقتصاد اليمني بشكل عام .
اعتمدت شركة ماكينزي على معايير ومقاييس عالمية يتم تطبيقها على مستوى العالم ، كان يمكن اعتبارها خارطة طريق لليمن ، ولو تم العمل بها في حينه ربما كانت اليمن قد خرجت من عنق الزجاجة حيث انها شملت تحسين مصادر الطاقة ، وإعداد وتأهيل العمالة اليمنية وزيادة أعدادها في دول مجلس التعاون الخليجي ، وكذا الدراسة التشخيصية للإدارة المستدامة لموارد المياه ، وخطة تطوير القطاعات الاقتصادية لمدن الموانئ الثلاث ( عدن، والحديدة ، والمكلا).
نصف تلك الأولويات العشر ، كانت مرتبطة بمشاريع وخطط تقام وتنشأ على ارض حضرموت ، مما يدل على أهمية موقع ومقومات حضرموت ، ليس فقط بالنسبة لحضرموت او لليمن بل للمنطقة ككل.
مما يمكن استقراؤه من تلك الدراسة على سبيل المثال والتي تم تقديمها في العام 2010 . ان استغلال الموارد الطبيعية على مستوى العالم سيتغير مع مرور الأيام ومع تطور التكنولوجيا ، وحينها كانت الحكومة اليمنية (ومازالت) تعتمد على مادة الديزل لتغذية المحطات الكهربائية . بينما العالم الان اصبح يعتمد على الطاقة الشمسية ( المتوفرة في حضرموت بوفرة). ويوما بعد يوم تقل أهمية النفط في حياة البشرية .
الدراسة اشارت كذلك إلى ان اليمن وحضرموت على وجه الخصوص تمتلك ما يمكن اعتباره ثروة المستقبل ، والتي لا يمكن الاستغناء عنها مهما طال الزمن ، وان تلك الثروة ستكون هي الذهب الفعلي في المستقبل ولابد من استغلالها على اكمل وجه , تلك الثروة هي الماء. حيث يوجد في حضرموت أكبر مخزون مياه جوفية على مستوى الجزيرة العربية ، ونسبة المياه العذبة هي الأعلى على مستوى المنطقة.
وحتى لا نظل نراوح في نفس الدائرة وحتى نضع النقاط على الحروف ، يمكن التصريح بكل ثقة ، انه ليس هناك من يستحق لقب (دولة) اكثر من حضرموت . وحين نتحدث عن (الدولة) فنحن نعني ما نقول بما تعنيه الكلمة من معنى .
في الواقع ان رغبة الانفصال هي رغبة مستعرة منذ فترة طويلة حتى من قبل الأحداث الأخيرة ، المانع الوحيد الذي كان يعرقل أي عملية انفصال من أي جهة ، هي ببساطة ( التزامات الدولة) ، فمن السهل ان تعلن الانفصال يوم السبت مثلا ، ولكنك ستجد نفسك يوم الأحد أمام مسؤوليات تلك الدولة التي أعلنت عنها.
وللأن ما زال مشروع الانفصال مجمدا بسبب عدم وجود إمكانية حدوثه دون موارد ودون سند ودعم لا محدود. لهذا لجأ انفصاليو المجلس الإنتذالي لحضرموت لمنحهم ذلك الدعم والسند ، ولتصبح حضرموت جهاز الصراف الألى للمجلس الإنتذالي.
يبدو ان الجميع يعرفون أهمية حضرموت ، إلا الحضارم انفسهم !!. فبينما يسعى الجميع ويبحث عن موطئ قدم وفرض أمر واقع في حضرموت . نجد الحضارم يبحثون عمن يمثلهم في مفاوضات ؟؟؟
ما يجب ان يكون فعلا ، هو ان يبحث الجميع عن من يستطيع التفاوض مع الحضارم وليس العكس.
بمقدور الحضارم ان يفرضوا شروطهم ويكونوا دولتهم ، ولن يعترض أي شخص ، بل بالأحرى لن يكون بمقدور أي جهة مهما كانت ان تمنع الحضارم من تأسيس دولتهم بأنفسهم .
وللتدليل على ذلك ، نذكر انه في خطاب لحكومة مجور لمكتب الأمم المتحدة الإنمائي و في خطاب اخر للبنك الدولي ، طلبت الحكومة اليمنية في تلك الفترة مساعدتها (يعني إقراضها ) بمبلغ 40 مليار دولار ( لمرة واحدة) حتى تصبح بمقدورها النهوض بالاقتصاد اليمني والخروج به من حالة الركود .
وما يثير السخرية فعلا ان حضرموت لوحدها كان بإمكانها توفير وضخ ما يوازي 20مليار دولار ( أي نصف الميزانية المطلوبة ويتم توفيرها بشكل سنوي وليس فقط مرة واحدة وليست مديونية او منحة مستحقة السداد ) في الميزانية العامة بكل بساطة . وهذا الرقم ليس اعتباطا او مبالغ فيه بل وفقا لدراسات مؤسسات النقد الدولي التي زارت اليمن وحددت هي نفسها ذلك الرقم من خلال التالي :
– تستطيع حضرموت رفد الخزينة العامة بمليار دولار سنويا من قطاع السياحة وحدها .( اكبر وأطول شاطئ في المنطقة / سياحة دينية وزيارات للأماكن المقدسة في اليمن كقبر النبي هود/ السياحة العلاجية/ السياحة المتنوعة برية وصحراوية وبحرية/ وسياحة داخلية وبيئية خصوصا أيام الأعياد والإجازات / وبرامج زيارة جزيرة سقطرى التي لو فعلا تم تنفيذ برامج زيارة واستجمام لها ، ستصبح واحدة من اشهر المواقع الأكثر زيارة على مستوى العالم.
– تستطيع حضرموت كذلك رفد الخزينة العامة بأكثر من 2 مليار دور من قطاع الثروة السمكية .
– تستطيع حضرموت كذلك رفد الخزينة العامة بأكثر من 5 مليار من قطاع الطاقة .( شمسية وطاقة الرياح والطاقة التقليدية)
– تستطيع حضرموت رفد الخزينة العامة بأكثر من 10مليار دولار من قطاع المياه الجوفية . والذي في حال استخراجه واستغلاله يمكن ان يخدم كل الجزيرة العربية التي تعتمد على محطات التحلية بمبالغ مهولة.
– كذلك هناك إيرادات أخرى كإيرادات الشحن والتفريغ ، رسوم عبور الأجواء ، الضرائب والرسوم الحكومية الخ والتي قد تصل كذلك لحوالي الأثنين مليار دولار.
كل ما سبق لا يشمل التجارة مع باقي دول العالم بما فيها التجارة البينية في حدود باقي مناطق اليمن او الجنوب. فعدد السكان المحيطين بحضرموت يشكلون أسواقا ضخمة تستطيع حضرموت الاستفادة منها بشكل كبير.
اما التجارة مع باقي الدول في المنطقة كسلطنة عمان مثلا فستكون هي الأعلى على الأطلاق، فعمان تنظر لحضرموت كامتداد تاريخي طبيعي من أيام السلطنة الكثيرية التي كانت تحكم المنطقة كلها من سيئون العاصمة السياسية ومن صلالة العاصمة الاقتصادية .
اما لو فتحت حضرموت تجارتها مع افريقيا ، حتى لو اكتفت بالتعامل مع التجار الحضارم فقط ، فستحقق عوائد ريعية خيالية . ليس فقط بسبب ارتباط التجار الحضارم بوطنهم الأم ولكن بسبب ان حضرموت “أُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ” ، فيكفي العسل الدوعني او اللبان او في قطاع التعدين حيث تعتبر حضرموت ( واحة تعدين ) فيها من كل ما يحتاجه العالم من معادن طبيعية .
حضرموت كدولة لو تم إعلانها ضمن اطار المجلس الإنتذالي ستجد نفسها مرغمة على دفع رواتب اكثر من مليون موظف وتسعين في المائة منهم ليسوا موظفين أصلا . وبعد خازوق العليمي الأخير في إعادة اكثر من خمسين الف موظف ومتقاعد الى لوائح الخدمة المدنية، ستجد دولة حضرموت نفسها مضطرة لنقل بنكها المركزي من المكلا إلى جحاف .
ناهيك على ان حضرموت ستجد نفسها مضطرة لدفع رواتب وإتاوات وضرائب وزكوات دون سندات او ايصالات . وسيجد الحضرمي نفسه قد خلع عباءة ( الدحابشة ) ليرتدي عباءة ( العتارشة).
حضرموت وجدت لتكون دولة نموذجية . فقط ومن خلال اعلان بسيط من شرفاء حضرموت وحكمائها سيجنبون الأجيال القادمة من مهانة ان يكون قائدك ورئيسك مجرد قاطع طريق جاءت به الصدفة على دبابة ليسرق قوت اولادك.
من المعيب ان تمتلك حضرموت تلك الفرصة التاريخية وان يأتيهم الإنصاف من السموات العلى (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) ومع هذا نراهم مرغمين عل التعامل مع نفس الشخوص اللزجة الغارقين حتى النخاع في مستنقع النذالة الذي يستميت الرخاص في تسويقه.
دولة حضرموت ليست فقط دولة الحضارم ، بل دولة الجميع . نجاح الحضارم سينعكس إيجابيا على كل المنطقة . في الشمال سيلفظ الوطن من محدثي النعمة الذين استغلوا الوضع ليفرضوا أساليب دخيلة لم يألفها اليمنيون ، اما في الجنوب سيتخلص الوطن من قطاع الطرق وستنتهي حالة التيه التي فرضها الأنذال.
حضرموت ليست ضعيفة او واهنة ، فقط تحتاج لإرادة وعزيمة اشتهر بها الحضارم على مر التاريخ .
واجه مهاتير محمد العالم بكله ، العداء السافر من داخل ماليزيا ومن خارجها ، حارب كل أعداء ماليزيا بقلب الحضرمي الذي تربى على المكارم والأخلاق ، وهو نفسه صرح بذلك حين حضر مؤتمر الاستثمار في مدينة المكلا حيث قال : (يمكن لحضرموت خصوصا ان تكون العاصمة المالية للمنطقة . واقع ماليزيا كان أسوأ، حين تولينا المسؤولية فيها، ولم نكن نمتلك تلك الموارد التي تمتلكونها أنتم الأن، كنا غارقين في ديون لم نتسبب بها، وكنا بعيدين عن قلب العالم وحاربنا العالم اجمع، بينما انتم اقرب من ماليزيا للعالم من كل ناحية ، وتمتلكون موارد اكثر مما تحتاجونه ، وكما نشرتم الاخلاق الحميدة على مستوى العالم بإمكانكم ان تنشروا تجارتكم على مستوى العالم).
مهاتير لم يكن يمتلك عصا سحرية في يده، بل كان يملك رؤية ورثها من اجداده الحضارم الكرام ، تلك الرؤية التي تجري في دماء الحضارم . ومن المعيب ان يتم تجريد الحضارم على يد البعض من تلك المأثر والمكارم وان تصبح حضرموت على أيدي ( العتارشة) اليوم بلا رؤية وبلا هوية وبلا دولة .
يقول بُوعامرْ رأيتَ الناسِ في الطِّينهْ عِيَـّنْ
حَدْ طِينَتهْ زَينْهْ وحَدْ طِينتهُ خَسَّ الطِّيَـنْ
والطِّينِة الزَّينِة تِوَدَّي زَرعَها قبل الرَّدَنْ
والطِّينِة العَيفِة فَلا تِبذِل بِذَكرات السِّنَن
ومن عَفَر باكِر شَكَر لِحْراثَتُه طولَ الزمـنْ ..