الأحقاف نيوز/ خاص
كتب / عدنان باوزير
بغض النظر عن هل الوحدة جيدة أم ليس جيدة ، ولا نقاش حول جمالية وفوائد الوحدة ولكن النقاش ينصب كله هنا حول ما صاحبها من ممارسات لا تمت اليها بصلة ، وها قد سقط البهلوان الراقص فوق رؤوس الثعابين الذي أفسدها وأفرغها من مضمونها الى هوة الجحيم وبقيت الوحدة لأنها قيمة غالية وتغيّر الوضع وتغيّرت المعطيات ولكن البعض وارضاء للجوار الحاقد لا يريد حتى أن يرى بنظرة أعم وأعمق ثم يحكم بنفسه ، ولا نريد منه حتى أن يجرب مرة أخرى ، فقط أن يرى بتمعن ثم يقرر .
وسوى كنت تحب الوحدة أم لا تحبها – ومن لا يحب الوحدة كقيمة – ولكن هذا أيضاً ليس موضوعنا هنا البتة .
موضوعنا هنا والذي نريد التأكيد عليه وهذه حقيقة لا يستطيع أن يتجاهلها أو ينكرها أحد ، أن الوحدة اليمنية قد أوقفت نزيف الدم الجنوبي وأوقفت الاقتتال الجنوبي الجنوبي طوال أكثر من ثلاثة عقود من تاريخ الوحدة اليمنية المجيدة ، وبدونها وهكذا تشير كل المعطيات والدلائل سوف تعود الصراعات الدموية لتجتاح الجنوب من جديد وتمزق نسيجه وتهدر كل مقدراته .
لقد جاءت الوحدة اليمنية في 22 مايو عام 1990 كحل لوقف الصراع الجنوبي البيني ، وقد كان الجنوب قبيلها على موعد مع استحقاق المؤتمر العام الثالث للحزب الاشتراكي اليمني ويتأهب لجولة صراع دموي جديد وحمام دم رهيب ، وما زالت دماء الحمام السابق والذب عقب مؤتمره الثاني لم تجف بعد ، وما زالت النفوس مليانة والأجواء متوترة ومشحونة .
لقد ترتبت الأوضاع بعد 13 يناير الأسود سنة 1989 على عجل ووفقاً لأحكام الضرورة وصعدت الحاجة الآنية بأقدم ما تبقى من الرفاق المتناحرين الى سدة الحكم (علي سالم البيض) ، ولكن بعد أن أستتب الوضع نسبياً أراد الطرف الحزبي (المناطقي – القبلي) الرئيسي الثاني في الصراع ، وهو الطرف المنتصر أن يجني حصاد تضحياته الجسمية التي قدمها على مذبح الصراع العبثي السلطوي وكانت أنهاراً من الدماء ، وأن يحكم ، بعد أن خرج الطرف الرئيسي الآخر المهزوم من الجنوب ولجأ الى الشمال هارباً وأنتهى أمره .
لقد كان الحل الذي أتى بعلي البيض لأمانة الحزب وكثير من فريقه عقب تلك الأحداث الدامية حلاً ترقيعياً مؤقتاً ، وبعد انقضاء أربع سنوات أنتفت مبررات بقاءه ، لقد عاد استحقاق إعادة هيكلة الحزب الحاكم في مؤتمر عام ثالث يطرق الأبواب ويقض المضاجع ، وهو – حينها – أصعب وأدهى كون الراعي السوفيتي أو الروسي أصبح آنذاك مشغولاً بنفسه وما عاد (الجنوب) يحتل أي موقع حتى على هامش قائمة اهتماماته ، وكان (البيض) يعرف هذا ويدرك أن الأمور لا تسير في صالحه ، ناهيك عن الديون المتراكمة المستحقة والأوضاع الاقتصادية المنهارة التي بلغت مرحلة العجز ، فها هو الحليف والجار الأثيوبي القوي (مانغستو هيلا مريام) يترك الجمل بما حمل ويغادر أديس أبابا هارباً الى جنوب أفريقيا ، فهروباً من هذا الموضع المتردي والصراع القادم الوشيك قاد (البيض) سفينة الجنوب المترنحة والموشكة على الغرق المحقق الى خضم الوحدة ، فتأجل الصراع الداخلي وظل كذلك خلال السنين الأولى للوحدة وأستمر ساكناً حتى بعد أحداث حرب صيف 1994 المؤسفة بل وحتى بدء العدوان الغاشم على اليمن في 2015 .
قد يقول قائل : من الطبيعي أن يتوقف الصراع الجنوبي الجنوبي بعد الوحدة فما عاد هناك شيء ليتقاتل حوله أو من أجله فرقاء المناطق المتسلطة في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية السابقة المعروفين .
كيفما كان الحال فلقد توقف نزيف الدم الجنوبي وهذا هو الأهم .
وما أن عادت نغمة الانفصال تظهر من جديد مع ظهور مكونات جنوبية عميلة فرخها العدوان السعودي والإماراتي ورعاتهما الدوليين حتى عادت متزامنة معها نذر الصراع الجنوبي الجنوبي تلوح بقوة ، وتحوّل الوميض المدفون تحت الرماد ثلاثة عقود كاملة الى ضرام يهدد بحرق الجنوب من جديد ، فأنبعث كل بؤره القديمة دفعة واحدة من جديد وفشلت كل المحاولات السطحية والشكلية في وأد هذا الصراع الجنوبي المناطقي الغبي ، فكل مقوماته وعناصره بل وحتى كثير من شخوصه نفسها ما زالت ماثلة للعيان ، وهذا بالتأكيد ما يريده ويسعى اليه العدوان ومرتزقته الجنوبيين من الأدوات والدمى المغامرة .