الأحقاف نيوز / خاص
كتب / عدنان باوزير
منذ رحيل أساطين الفن الغنائي الحضرمي الأصيل في الداخل والخارج
والساحة الفنية الحضرمية المحلية تعج بعشرات المؤدين البلداء المملين الدخلاء على الغناء
جوقة من مقاولي الأعراس الهابطين ذوقياً وفنياً وفكرياً لا يمتلكون أدنى موهبة فنية ، فلا خامات صوتية مميزة ولا إداء ولا إحساس ولا عزف أو مهارات ولا حتى ابتكار أو جديد في الأداء فما بالك في الكلمات والألحان ، حفلات من (الطنبقة) و(الشكشة) يختلط فيها الحابل بالنابل وصوت الطبل دائماً هو سيد الأصوات .
لم يقدموا أي جديد ، فقط يلوكون ويجترون من التراث الفني العظيم الذي خلفه لنا الرواد الكبار ، فيمتهنون أصالته ويهبطون برقيه وذوقه الرفيع الى الحضيض .
جميعهم نسخ من بعض ولا يتميّز أحدهم عن الآخر بشيء ، أو يمتلك أحدهم شخصية فنية خاصة به أو يقدم خط فني جديد خاص يميزه عن بقية جوقة الناهقين .
والأدهى أن بعض أنصاف الموهوبين هؤلاء قد بلغت به التفاهة الى حد أنصرف فيه الى تقليد الأغاني الخليجية ، تصوروا أن المعين الفني الغنائي الحضرمي الذي نشأت وتأسست المدارس الفنية الممسوخة المجاورة وأقامت نهضتها عليه وما زالت الى اليوم تعيش على سرقة ولطش أعماله الفنية والعبث بها ، جاءوا اليوم هؤلاء التافهون ليسرقوا المسروق ويقلدوا المقلد ويمسخوا الممسوخ ، وأين ؟؟ هنا في عقر دار هذا التراث العظيم .
بل بلغت ببعضهم الوقاحة والرخص أن يغني بعض الأغاني الهابطة والفاضحة التي تمجد الاحتلال التي ترزح تحت نيره المحافظة منذ بدء العدوان السعودي المقيت على اليمن قبل سبع سنوات .
وكأن بل أكيد وليس وكأن الانحطاط السياسي الحاصل في حضرموت في ظل الاحتلال والذي انسحب بدوره على جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية قد انسحب أيضاً على الجانب الفني الحساس جداً تجاه هذه السقطات .
لفتني مؤخراً ظهور فنان مغمور ولكنه مميز ومبشر ، فنان أستطيع القول بأنه فنان حقيقي وإذا ما أستمر على هذا الخط فمن الممكن أن يقدم شيء وأن يعيد للفن الحضرمي رونقه ويجدد زخمه ، أنا في الواقع لا أعرفه ولكن سماع بعض أغانيه يبعث على التفاؤل ويشعرك بالطرب الذي طالما فقدناه في حضرموت منذ سنوات .
فنان يمتلك خامة صوتية مميزة , وطريقة أداء مفعمة بالإحساس والمشاعر ، ومخارج ألفاظ ممتازة ناهيك عن عزفه الجيد مبدئياً على (العود) واختياراته الفنية الموفقة لأشهر أغاني التراث الغنائي المحضاري الزاخر .
لم يمتلك الى الآن أغان خاصة به ولكن لديه الأدوات لفعل ذلك إذا ما واصل الكفاح بصقل موهبته الحقيقية الملحوظة وأختط له طريق فني خاص به .
يحتاج فيما يحتاج أولاً لرفع رصيده الثقافي و الارتقاء قليلاً عن الطريقة الشعبوية (السوقية) التي لطالما صبغت تجارب أقرانه الصغار .
للفن مكانة عالية في ثقافة الشعوب وينبغي الارتقاء والصعود اليه وليس سحبه الى دهاليز وأزقة الشوارع والمقاهي .
وقبل كل شيء الغوص الى أعماق التراث الفني الغنائي الحضرمي الأصيل والنهل من معينه الذي لا ينضب حتى التشبع ، وسماع أكبر قدر ممكن من الكلاسيكيات الحضرمية واليمنية والعربية على وجه العموم ، والإلمام بتاريخ وقواعد الغناء ، والتتلمذ على أيدي من تبقى من معلمي الغناء القدماء ان كان قد تبقى منهم أحد ، فهذا من شأنه أن يحصنه فنياً ضد الابتذال والهبوط .
هذا الفنان الجديد هو الفنان (عبده باقليص) ، أنا لا أعرف شيء كما قلت عنه ولا من أي منطقة في حضرموت هو ، ناهيك عن بداياته وخلفيته الفنية ، ولكن مجرد سماعه وفي أكثر من مناسبة ينبئك أنك أمام مولد فنان حقيقي يختلف اختلاف كامل عن زحمة أدعياء الفن الموجودين حالياً على الساحة الفنية المحلية في حضرموت .
وأخيراً ربما يحتاج فيما يحتاج هذا المشروع الفني المبشر والذي أتمنى أن لا يُجهض في بداياته الى بعض الأشياء الشكلية والتي لا تهمني هنا ولكنها صارت للأسف مفتاح ووسيلة مساعدة على الانتشار ليس محلياً فقط بل والى خارج حدود القطر ، كأن يختار له أسم فني يكون سلس على الألسن تداوله وحفظه والاعتناء أكثر بمظهره الخارجي ليناسب مظهر فنان .