رابعة حضرموت .. الشيخة سلطانة بنت علي الزُبيدي

كانت الشيخة سلطانة بنت علي الزبيدي والمشهورة شعبياً ب (سلطانة) أو (بنت علي) أمرأه متأملة وعالمة وشاعرة ومتصوفة يذكر المؤرخ صالح الحامد أن ميلاد الشيخة سُلطانة بنت علي الزُبَيدية كان في سنة (780 هـ / 1378م)، وتوفت في سنة (847 هـ / 1442م)، أي أنها توفت عن عمر ناهز الستين عاماً، ودفنت في بلدة (العر) من ضواحي سيئون الشرقية ودُفنت في امتداد (القارة) الجنوبي وبُني على ضريحها قُبة وتكونت حول ضريحها قرية صغيرة تُسمى باسمها حوطة سلطانة , ولها زيارة سنوية تستمر ليلة واحدة , في نجم “سعد خبا” ويقع خلال الفترة 5 – 17 سبتمبر/أيلول من كل عام، وبالتحديد أخر يوم اثنين بأيام النجم.
ويذكر الحبيب أبوبكر المشهور أحد علماء الصوفية بحضرموت أن نفسية هذه الفتاة البدوية “الشيخة سلطانة” كانت على غير ما يعهد في سائر فتيات زمانها، فقد كانت تميل إلى الهدوء والعزلة، وما إن كبرت قليلا حتى بدأت تشعر باستقباح سلوك البداوة من ظلمٍ وبطشٍ وأذى، وتتطلع إلى نداء الفطرة العميق الذي كان يجذبها إلى نور الإيمان، ويهديها إلى أسباب الاطمئنان، وكان أفضل ما يساعدها على هذا النداء الفطري سكون الليل، وهدوء العراء الفسيح، وسماع أخبار الصالحين وأحوالهم في أمسيات القبيلة وأحاديث رجالها ونسائها عنهم، كما يقول المشهور.
ويشير إلى أن الناس أقاموا لها ضريحا كبيرا في تلك البلدة بعد وفاتها والذي صار مزاراً لمريديها وأتباعها.
أطلق عليها المؤرخون لقب (رابعة حضرموت) وكان مناسبا لحالها ومقامها، فالشيخة سلطانة قد أخذت منذ نعومة أظفارها بطريق التصوف سلوكا وحالا. لقد تهيأ للشيخة سلطانة الأخذ بطريق التصوف في سن مبكرة ووجدت الطريق ممهدا لها في كل موقع من مواقع وادي حضرموت. و برغم أنها كانت تسكن بادية العُرّ حيث يسكن أهلها وقبيلتها إلا إن العديد من علماء تريم ودعاة الوادي في سيؤن والغرفة وشبام وغيرها كانوا يترددون على تلك الناحية خلال أيام الأسبوع، ويمرون بتلك البادية ويشنفون الأسماع بالحكمة والموعظة الحسنة، وتعمق هذا الاتجاه الفطري في نفس الفتاة ونما مع نموها العمري وهي ترى في الواقع الحضرمي وتسمع عن عباد وزهاد وعلماء أتقياء صلحاء يتناقل البدو إخبار كراماتهم . كانت تجالس الرجال ويستمعون لمواعظها و تأملاتها، وقد كان الشيخ العلامة الناسك محمد ابن عبدالله القديم باعباد، والذي كان مقيم بمنطقة (الغرفة) قريبا من بادية الشيخة سلطانة ومسكن قبيلتها هو أول باب صوفي أنفتح لها وسند الإتصال الأول بهذه الطرق ، ثم توالت بعد ذلك المنح والعطايا الكسبية ثم الوهبية زيادةً على ما نالته بجدِّها وصبرها ، حتى سمت هذه الرغبات الروحية فوق كل شيء وأثمرت في سلطان الجوارح (القلب) ثوابت أخلاقية وضوابط نفسية وهمة روحية يصغر تجاهها كل مطلب جسدي وشهوة ولو كانت حلالا.
ومن هذا المنطلق السلوكي العالي صارت روح هذه المرأة الصالحة فياضة بالشفافية الإنسانية المهذبة بالطاعات. بل صار من ثمرات شفافية الروح نمو الذوق من جهة، وسهولة الأعمال الصالحة على جوارحها. ثم اتصلت بعد ذلك بالشيخ عبد الرحمن السقاف وغيره ، ويُقال أنها كانت تستشرف بأحلامها وبحدس المؤمن القوي جداً لديها الأحداث قبل وقوعها.
ويتميز شعر الشيخة سلطانة بميله إلى الأسلوب الشعبي الدارج والشعر الإنشادي الغنائي وكثير منه ينشد إلى اليوم في (حضرة الشيخ السقاف) بتريم منه ما تقوله في الشيخ عبد الرحمن السقاف:
ألا يا مرحبا بالمقبلينا
وبالشيخ الذي فيهم يضينا
سراجٌ عند ظلمات الليالي
يسلي كل من قلبه حزينا
لأنه خاض في بحر المحبة
وحافظ سادته عهداً مكينا
ألا يا رب فانفعنا بجاهه
نعم يا رب إنا مذنبينا
و نختم بالصلاة على محمد
صلاة دائمة في كل حينا
ماتت الشيخة العالمة المتصوفة سلطانة بنت علي الزبيدي وهي عذراء لم تتزوج رغم أنها عاشت عيشة طويلة وعُرف عنها طهرها وعفتها وورعها، ومع هذه الشهرة الواسعة والجاه العريض في الأوساط الحضرمية فإن التراث لم يحفظ لنا عنها ترجمةً شافيةً ووافيةً، وإنما بقيت شذرات قليلة متفرقة في كتب شتى أهمها ما جاء في كتاب المؤرخ أحمد بن محمد الشاطري الشهير (أدوار التاريخ الحضرمي): ‘‘أنها قامت بدور إصلاحي رفعت به شأن قومها وبلدها‘‘.

عدنان باوزير

Total
0
Shares
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Related Posts
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com