كانت هيصم امرأة حكيمة وثرية ماتت وهي عذراء لم تتزوج , وأوصت عند موتها بأن تكون أرضها مقبرة وهي جربة الأرض الأكبر والاخصب في مدينة مكتظة تقع على ربوة صغيرة هي مدينة شبام , ولكنها لم تقل العبارة صراحة بل قالتها محورة (مشفرة) وغير صريحة بحيث لا يفهمها الا اللبيب ، وقد قالتها على النحو التالي : أوصي أن تمنح أرضي لكل من أنقطع رزقه , فتهافت الناس من اليوم الثاني على دار القاضي الوصي وكل منهم يدعي أنه قد انقطع رزقه, فأحتار القاضي يعطي من منهم ويترك من , من الصادق منهم ومن الكاذب فأرسل يسأل علماء وحكماء المدينة ولم يفته منهم أحد , فأرسل يسأل (بقار) شعبي حكيم في النواحي (بقار أي رجل يحرث الأرض بالبقر بالأجرة) يقال له (أبو عامر) وهذه الشخصية في الموروث الحضرمي تقابل شخصية (علي ولد زايد) في الشمال و(الحميد بن منصور) في مناطق أخرى من الوسط والشمال) اليمني, فأعتذر هذا الرجل تواضعاً منه بأنه لا يعرف القصد من العبارة , فرجعوا وأبلغوا القاضي باعتذاره ، فقال لهم القاضي : عودوا ولكن لا تدعوه يراكم ، اختبئوا خلف (السوم) وهو حاجز ترابي يفصل بين (الجرب) الزراعية وتنصتوا عليه , حيث عرف عنه أنه عندما تحيره مسألة فأنه يدندن بها ويغنيها وهو يحرث على أبقاره وله أشعار حكيمة كثيرة لم تجمع على حد علمي بعد في ديوان أو تُطبع , غغعلوا كما أمرهم ولم تمض برهة من الوقت حتى سمعوا (بو عامر) يشدوا بصوته على مسألتهم تلك ويقول :
يقول بو عامر نشدتوني و لا عندني صفات
ما ينقطع رزق الحي الا كل من جددوا أكفانه ومات
فعادوا وفأخبروا القاضي بهذا البيت الذي سمعوه فعرف أن (هيصم) أرادت أن توصي بأرضها كمقبرة ، لأنه وبالفعل لا ينقطع رزق أحد وهو ما زال يعيش , حتى انه يقال عند العامة : فلان حيُ يُرزق , فمادام حي فالله متكفل برزقه واذا ما مات انقطع رزقه وفي هذا الأمر شواهد قرآنية معروفة !!
ولا تزال هذه (الجربة) المقبرة تحمل نفس هذا الاسم الى اليوم الى غرب شبام وتسمى (مقبرة هيصم) , وبعض أبيات الحكيم ابو عامر هذه لُحنت وصارت أغنية معروفة للفنان عبد الرب أدريس يقول فيها :
يقول بو عامر خيار العلم قولة ما دريت
ان شفت شيء ما قلت شيء وأن حد حكى لي ما حكيت ..
عدنان باوزير
